top of page

الإنفصال: من البيت الى الحضانة


مقابلة مع إختصاصية علم النفس، الآنسة هدى زيدان.


لماذا يبكي الأطفال عندما يبقون وحدهم في الحضانة؟



حقيقةً، لن يبقى الأطفال وحدهم في الحضانة. إنّهم ينقسمون الى مجموعات، ولكن إفتقادهم الى الوجوه المألوفة التي تشعرهم بالأمان يسبب لهم بالشعور بالوحدة.


بمعنى آخر، إنّ بكاء الأطفال في عمر السنتين أو الثلاثة في يومهم الأوّل في الحضانة دلالة على تشنّج يشعرون به ولا يستطيعون أن يحموا نفسهم منه. إنّهم يعبّرون عن خوفهم واضطرابهم وافتقادهم للأمان من خلال البكاء وتصرّفات أخرى مثل التمسّك والمقاومة والعناد والعنف وآلام المعدة والغثيان وغيرها. لا يستطيع الأطفال في هذا العمر أن يعبّروا عن مشاعرهم بالكلام لذلك يتواصلون مع الكبار بواسطة تصرّفاتهم ليقولون لهم أنّ أمر ما ليس على ما يرام. تصرّفاتهم إذاً رمزية إذ أنّها توصل رسالة ما للكبار. البكاء يعني: النجدة، إسمعوني، أحتاج إليكم. غالباً ما يرتبط التشنّج بنظرية التمسّك التي يدرسها الكثير من الأطبّاء النفسيين وعلماء علم النفس. يبدأ الأطفال في عمر السنتين باستخدام عناصر من بيئتهم المألوفة كقاعدة آمنة يعتمدون عليها لاكتشاف العالم. تُفَسَّر التصرّفات الطفولية المتعلّقة بالتمسّك بأنّ الطفل يبحث عن عنصر يكون قريب منه ليساعده على تخطّي مواقف التشنّج. في الأيّام الأولى من الحضانة، التي قد تمتدّ الى أسابيع أو حتى أشهر، يبكي الطفل ليقول لأهله أنا أشعر بالوحدة والخوف وأحتاج الى دعمكم ومساعدتكم لكي أشعر بالأمان في هذا المكان الجديد.



لماذا يخاف الأطفال من البقاء مع الغريب؟


كل عنصر من عناصر البيئة المدرسية غريب للأطفال. حتى إذا عاش الطفل هذا النوع من الإنفصال في الحضانة، يكون الذهاب الى المدسة بالنسبة إليه خطوة جديدة ومهمّة ولكنّها ستسبب لهم بالتشنّج نفسه الذي عاشوه خلال الإنفصال الذي اختبروه عند الذهاب الى الحضانة. يربط الأولاد بلا وعي هذا الإنفصال الثاني بالإنفصال الأوّل الذي سبق وعاشوه من قبل.


بالنسبة للأطفال كل واحد وكل شيء غريب عليهم. يتغيّر إيقاع حياتهم وأسلوبها: ساعة الإستيقاظ واللباس المدرسي والباص وموقع المدرسة (قريب أو بعيد عن البيت، مظهر المدرسة، الصف وغيرها)، وإن كان لديهم إخوة أو أقرباء يذهبون الى المدرسة نفسها والوجوه الكثيرة الجديدة التي سيلتقون بها للمرة الأولى. وبالوجوه الجديدة لا أعني فقط الأشخاص الذين سيهتمّون بالطفل بل رفاقه أيضاً. يتأقلم كل طفل على طريقته مع البيئة الجديدة ويحتاج البعض الى وقت أطول من غيرهم. يجب على الأهل أن يتعاونوا مع المعلّمات لاكتشاف ما هو السبب الذي لا يسمح للطفل أن يتأقلم مع البيئة الجديدة. قد يحتاج الطفل الى مساعدة إختصاصي في علم النفس خاصة إذا كان سبب عدم تأقلمه هو مشاكل في التعلّم أو خلل في هدوئه الجسدي أو الذهني.



متى برأيك يكون الطفل حاضراً للإنفصال عن أهله وما هي الطرق التي يمكننا اتّباعها في المنزل لنحضّر أطفالنا للحضانة؟


حقيقةً، لا يقتصر الأمر على العمر، لذلك المشكلة ليست "متى" نسجّل الطفل في الحضانة، بل "كيف". تعتبر الولادة الإنفصال الأوّل الذي يعيشه الطفل في حياته، ويأتي في ما بعد التوقّف عن الرضاعة وتعلّم النظافة وولادة أخ أو أخت وغيرها. هذا يعني أنّ كل مهارة جديدة يتعلّمها الطفل وكل خطوة جديدة يقوم بها تعتبر إنفصالاً عن المرحلة السابقة. بمعنى آخر، تعتبر الحياة مجموعة من "الولادات والإنفصالات الدائمة" التي تغذّي نمو كل إنسان. يرتبط كل إنفصال بحزن وتشنّج، ووحده التأقلم مع هذا التشنّج يسمح لنا أن ننتقل الى المرحلة التالية من النمو. حقيقةً، يرتبط ذلك بماهية العيش العائلي ونمو الطفل، فكلّما كان نموّه الحركي والمعرفي، والانفعالي والعلائقي متقدّم كلّمل كانت مرحلة الإنفصال سهلة وخالية من التأثيرات الس


لبية على الطفل وعلى عائلته.


إذا حاولت الإجابة على سؤال "متى" سأقول أنّ الطفل يقدر على فهم الإنفصال المؤقّت في عمر السنتين أو الثلاثة. ويعني ذلك أنّه سيدرك أنّ هذا الإنفصال لن يدوم الى الأبد وسيستطيع أن يعود الى أهله وبالأخصّ أمّه في وقت لاحق.


بحسب المحللة النفسية فرنسواز دولتو إنّ عمر السنتين ونصف عمر مبكر لأن يعيش الطفل إنفصالاً عن أهله، وخاصّة إذا كان الطفل وحيداً أو الأكبر سنًّا في عائلته. يحتاج الطفل أوّلاً الى أن يتعوّد على معاشرة أطفال آخرين. إنّ عمر الثلاث سنوات هو العمر المثالي لأن يذهب الطفل الى الحضانة، ولكنّه عليه أن يتعلّم من قبل المسؤولية وكيفية الإهتمام بنفسه واللعب وحده والتكلّم عن نشاطاته والتسلية بألعابة وسياراته وتحضير ألعاب وحده أو مع شخص آخر يستطيع التواصل معه. وبالإضافة الى ذلك يجب على الأهل أن يعوّدوا أطفالهم على الأعمال المنزلية اليومية كالتسوّق والتخلّص من القمامة والطبخ وتحضير أشغال يدوية والقصّ وغيرها. على الطفل أن يراقب كل ما يحدث حوله ويلعب مع أطفال آخرين ويلجأ الى أمّه ليشاركها همومه ومشاكله وتساعده على فهمها وتخطّيها. من المهم أن نذكر أخيراً أنّ كل طفل فريد ويتبع نمط نمو معيّن يجب أن نحترمه، وكلّما كان الأهل أو أحدهما الى جانب الطفل كلّما كانت مرحلة الإنفصال أسهل.



 


٥ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page